اختلفت
الآراء حول تكوين أسرة محمد علي أصوله العائلية وتذكر الدكتورة "عفاف لطفي السيد" في كتابها
"مصر في عهد محمد علي"
أن محمد علي جاء من سلالة متواضعة، فهو ابن إبراهيم أغا بن عثمان أغا بن إبراهيم
أغا، وهو ما يظهر خلفية عسكرية امتدت لثلاثة أجيال. وفيما وراء ذلك، لا يعُرف إلا
القليل عن الأسرة أوعن أصولها. وبينما وصفهم المؤرخون بأنهم من أصل ألباني، فإنه
من الأمور المتواترة في الأسرة أنهم قد يكونون من سلالة كردية، وجاءوا من إحدى
القرى؛ قرية إليتش، في شرقي الأناضول؛ حيث عملوا في تجارة الخيول. وفي زمن ما
انتقلت الأسرة من قرية أصلية غير معروفة إلى عمر بكير، ومن هنا انتقل عثمان أغا
ووالده إبراهيم أغا إلى قونية في أول الأمر، ثم بعد ذلك إلى قولة، وكان آخر
انتقال لهم نتيجة لتورطهم في عملية ثأر، ولا نعلم الكثير عن الحادث، وتشير
الوثائق ببساطة إلى حادث دم، عندما اضطرت الأسرة إلى الرحيل في عجلة خوفًا من
الانتقام.
الذي
نعلمه حقيقة، هو أن محمد علي قد اقتفى أثر والده في أن يكون جنديًّا، وأنه شارك
في عدد من المناوشات؛ حيث اجتذب دهاؤه ومهارته فيها انتباه رؤسائه الذين أوصوا
بترقيته إلى مركز قيادي أعلى.
وفي
ذلك الوقت تزوج محمد علي بامرأة على جانب نسبي من الثراء، تدعى أمينة، كانت من
قريبات المحافظ. وكانت أمينة قد تزوجت من قبل زواجًا رسميًّا من رجل آخر، رغم أن
الزواج لم يكتمل إذ كان قد تم التوقيع على عقد الزواج لكن الزوج توفي قبل أن يتمم
زواجه. وكانت الأرملة الشابة قد ورثت ميراثًا ضئيلاً عندما تزوجت من محمد علي.
وقد أثار هذا الزواج المبكر فيما بعد قصة خيالية مؤداها أن إبراهيم لم يكن أكبر
أبناء محمد علي، وإنما كان ابنًا لزوجته من زوجها السابق. ويبدو أن القصة قد شاعت
حوالي ١٨٤٦م وأوردها هيكيكيان في يومياته؛ حيث كتب يقول: «يبدو من المؤكد تمامًا
أن إبراهيم لم يكن على الأكثر إلا ابنًا بالتبني، نتاجًا لعلاقات غير شرعية وغير
ناضجة لمحمد علي». إلا أنه في صفحة ٢١٥ من نفس الكتاب يذكر أنه سمع محمد علي
يتحدث عن إبراهيم باعتباره ابنًا له. ويبدو أن قصة كهذه قد اختُرعت من قبل الجبهة
المعارضة لإبراهيم. وهم فئة التفت حول عباس ابن أخي إبراهيم، وبالتالي له في
الوراثة، بهدف الإطاحة بإبراهيم لصالح عباس. والقصة كاذبة بكل وضوح؛ إذ إن محمد
علي في كتاباته للسلطان، قد أكد في مناسبات عديدة أن إبراهيم هو أول ابن مولود
له.
وقد
أنجبت أمينة هانم لمحمد علي ثلاثة أبناء. ولد إبراهيم عام ١٢٠٤هـ/ ١٧٨٩- ١٧٩٠م في
نصرتلي التابعة لدراما؛ حيث كانت الأسرة قد لجأت إليها هربًا من طاعون وبائي أهلك
قولة. والثاني هو أحمد طوسون وُلد عام ١٢٠٨هـ/ ١٧٩٣م. والثالث هو إسماعيل كامل
وُلد عام ١٢١٠هـ/ ١٧٩٥م. كما أنجبت له بنتين؛ هما: توحيدة التي ولدت عام ١٢١٢هـ/
١٧٩٧م، ونازلي التي ولدت عام ١٢١٤هـ/ ١٧٩٩م.
وقد
سافر الزوج إلى مصر بعد ذلك، وافترق الزوجان لمدة تقارب عشر سنوات، وكانت أمينة
الزوجة الشرعية الوحيدة التي اتخذها محمد علي طيلة حياته على الرغم من أنه اتخذ
لنفسه ثمان أو عشر سراري، وكان أبًا لسبعة عشر ولدًا وثلاث عشرة بنتًا. وقد ولد
آخر طفلين له عندما كان قد تجاوز الثالثة والستين عام ١٨٣٣م. وقد نسب أحد
المؤلفين من ذوي الخيال الواسع إلى محمد علي أبوة خمسة وتسعين طفلاً، ويمكن للمرء
التسليم بأن ثلاثين طفلاً عدد وفير بما يكفي ولا يحتاج لمضاعفته مرات
ثلاثًا.
ولم
يعش من بعده من بين أولاده إلا سعيد وعبد الحليم ومحمد علي الصغير، ومن بين
البنات كانت ثانية كبرى بناته، نازلي، التي كانت متزوجة من محمد بك الدفتردار.
كما عاش بعده عدد من السراري. ولا بد أن أمينة كانت امرأة غير عادية، فقد كان
زوجها مغرمًا بها وعاملها باحترام. وكان رسم صورتها الشخصية - الذي كان معلقًا في
قصر الجوهرة في القلعة قبل أن يحترق القصر - يظهر سيدة مليحة الوجه، لكن تبدو ذات
شخصية طاغية بحاجبين سوداوين كثيفين مكحلين، يلتقيان فوق عينيها على النمط الذي
كان سائدًا يومها، ويحيط بها إحساس عام منفر. ربما كان هذا نابعًا من رؤية الفنان
لها، أو من تعبيرها عن المهابة حالة جلوسها للتصوير. وكان أولادها جميعًا حسني
الطلعة، كما كان حقًّا سائر ذرية محمد علي، باستثناء عباس الذي كانت تشوه مظهره
ملامح دائمة التجهم، وكذلك سعيد ببدانته المفرطة.