تأسيس بنك مصر
١٣ أبريل ١٩٢٠

في المؤتمر المصري الأول انتهز محمد طلعت حرب باشا اجتماع أعيان البلاد وكبرائها وعرضت لجنة المؤتمر فكرة إنشاء بنك مصري وقرر المؤتمر بالإجماع وجوب إنشاء بنك مصري برؤوس أموال مصرية، كما قرر اختيار محمد طلعت حرب باشا للسفر إلى أوروبا لدراسة فكرة إنشاء البنك بعد عمل دراسة كافية عن المصارف الوطنية وأسلوب عملها في الدول الأوروبية، فلما صدر كتاب محمد طلعت حرب باشا بعد هذا، آمن كل مصري بالفكرة التي يدعوا لها وإلى تنفيذها، ولكن الحرب العالمية الأولى التي أعلنت في ٤ أغسطس عام ١٩١٤ وقفت بالفكرة حيث هي كلمات في كتاب، وانتهت الحرب قبيل نهاية عام ١٩١٨ وشبت الثورة المصرية العظيمة في عام ١٩١٩، فكان انطلاقها الطلقة الأولى في وجوب إنشاء البنك حتى يتحقق استقلال الوطن الاقتصادي، ليكون عضدًا وسندًا للاستقلال السياسي.

عاد محمد طلعت حرب باشا يدعوا لمشروعه أو لفكرته عند بعض المسئولين فحاولت سلطات الاحتلال معه كل الأساليب للتشكيك في قيمة المشروع وعدم أهلية المصريين للقيام بمثل هذه المشروعات المالية.

عندما تعرض بنك مصر للأزمة التي افتعلها وأعمل شباكها حوله الاحتلال البريطاني والبنك الأهلي المصري -في ذلك الوقت- الذي رفض أن يقرض البنك بضمان محفظة الأوراق المالية، وسكوت الحكومة التي تركت صندوق توفير البريد يسحب كل ودائعه من بنك مصر، تحامل الرجل العظيم على نفسه وذهب إلى وزير المالية حسين سري باشا يرجوه واحدًا من ثلاثة أمور، إما أن تصدر الحكومة بيانًا بضمان ودائع الناس لدى البنك، أو أن تحمل البنك الأهلي على أن يقرض بنك مصر مقابل المحفظة، أو أن تأمر بوقف سحب ودائع صندوق توفير البريد، فانتهى الأمر باستقالة طلعت حرب مقابل إجابة مطلبه.

وجاء هذا دليلاً آخر على عبقرية محمد طلعت حرب باشا، فقد أيقن أنه لا دوام للفرد، وإنما الدوام لذكرى الفرد وعمله، وقد اختار محمد طلعت حرب باشا أن يستبقى عمله الذي جسد فكره وهو في نفس الوقت لم يضح بذكراه فقد حفظها عمله، الذي جسد فكره.