الطباعة والمطابع المصرية

يرجع ظهور فن الطباعة بمعناه الحديث في مصر إلى عهد الحملة الفرنسية على مصر ١٧٩٨-١٨٠١م، حين أدرك بونابرت منذ اللحظة التي قرر فيها احتلال مصر أن الدعاية هي السلاح الماضي الذي قد يكسب به قلوب المصريين، فكان عليه إذن أن يعد العدة لحملة من الدعاية يوطد أركانها بمطبعة يحملها معه لتساعده فيما يرمي إليه. ومما يؤيد إيمان بونابرت بقوة المطبعة أنه كتب إلى أرنو Arnault يطلب إليه أن ينشئ مطبعة يونانية في جزيرة كورفو "لتنوير عقول اليونانيين وإعدادهم لتذوق طعم الحرية في تلك البقعة المهمة من أوروبا".

حرص بونابرت على تزويد المطبعة التي سيحملها معه إلى مصر بالحروف العربية واليونانية والفرنسية. وعني عناية خاصة برجال المطبعة الجديدة ومعداتها. ففي السادس والعشرين من شهر فنتوز عام ٦ الموافق السادس عشر من شهر مارس سنة ١٧٩٨م اتخذت الحكومة الفرنسية قرارًا بتعبئة كافة ما يحتاج إليه بونابرت، بما في ذلك الحروف العربية والفرنسية واليونانية الموجودة في مطبعة الجمهورية.

أما محمد علي باشا فقد أراد إنشاء مطبعة تحاكي مطابع الغرب الأوربي تساهم في الحياة الثقافية من خلال طبع الكتب التي يحتاج إليها التلاميذ والطلاب فانشأ مطبعة بولاق، كانت في الفضاء الواقع بين وكالة الأرز والنيل أنشأها محمد علي سنة ١٢٣٥ هـ، وبدا العمل بها سنة ١٢٣٧ هـ / ١٨٢٢ م وألحق بها مدرسة حيث وجدنا أمرا إلي كتخدا بك بتعيين مدرس هندي لتعليم التلاميذ الخط وحروف الطباعة وانشأ بجوارها مصنعًا للورق "كاغد خانه" ضمن مشروعه الكبير لنشر الصناعة والعلوم الحربية علي وجه الخصوص، وعين نقولا المسابكي مديرًا لها بعد أن عاد من البعثة التي أوفده لها بايطاليا سنة ١٢٣٠ هـ / ١٨١٥ م لدراسة فن الطباعة، اختلف كثير من المؤرخين حول تاريخ إنشاء مطبعة بولاق، لكن مصدرنا الأساسي في هذا التاريخ هي اللوحة التذكارية التي علقت على باب المطبعة وقت إنشائها وفيها تاريخ لهذا الإنشاء، هذه اللوحة التذكارية عبارة عن قطعة من الرخام طولها ١١٠ سنتيمتر وعرضها ٥٥ سنتيمترا وقد نقشت بحيث برزت عليها الأبيات الشعرية الآتية باللغة التركية:
حالا خديو مصر محمد علي وزير أول نا مدار دولت صاحب المنح
آثار بي حسابنه ضد أيلدي دخي يا بدر دي أشبو مطبعة بي بو يله يرفرح
هاتف سعيده سو يلدي تاريخ تا متي دار الطباعة در هنرك مصدري أصح
وترجمتها: "إن خديوي مصر الحالي محمد علي، فخر الدين والدولة وصاحب المنح العظيمة قد زادت مآثره الجليلة التي لا تعد بإنشاء دار الطباعة العامرة وظهرت الجميع بشكلها البهيج البديع وقد قال الشاعر سعيد إن دار الطباعة هي مصدر الفن الصحيح".